فصل: من لطائف القشيري في الآية:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.من لطائف وفوائد المفسرين:

.قال في ملاك التأويل:

قوله تعالى: {قَالَ فَاخْرُجْ مِنْهَا فَإِنَّكَ رَجِيمٌ (34) وَإِنَّ عَلَيْكَ اللَّعْنَةَ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ} [الحجر: 34-35]، وفي سورة ص: {وَإِنَّ عَلَيْكَ لَعْنَتِي إِلَى يَوْمِ الدِّينِ} [ص: 78]، للسائل أن يسأل عن وجه اختلاف العبارتين من ورود اللعنة في سورة الحجر بالألف واللام، وفي ص بالإضافة مع اتحاد المعنى؟
والجواب عنه، والله أعلم: أن آية الحجر وردت بالألف واللام، وهي الأداة المقتضية الحصر الجنسي حيث لا عهد، وذلك وارد على ما ينبغي لما قصد هنا من المبالعة، ولا سؤال فيه، وأما الوارد في سورة ص مضافًا لياء المتكلم فوجهه المناسبة اللفظية لقوله: {مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ} [ص: 75]، فجرت العبارتان على منهج واحد ومسلك متناسب، ولم يكن ليتناسب العكس فيما ورد، والله أعلم. اهـ.

.من لطائف القشيري في الآية:

قال عليه الرحمة:
{وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ صَلْصَالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ (26) وَالْجَانَّ خَلَقْنَاهُ مِنْ قَبْلُ مِنْ نَارِ السَّمُومِ (27)}
ذَكِّرَهم بِخِسَّتِهم لئلا يُعْجَبُوا بحالتهم.
ويقال القيمة في القُربةِ لا بالتُّربة؛ والنسب تربة ولكن النعتَ قربة.
{وَالجَآنَّ خَلَقْنَاهُ مِن قَبْلُ مِن نَّارِ السَّمُومِ}: وإذا انطفأت النار صارت رمادًا لا يجيء منها شيء، والطين إذا انكسر عاد به الماء إلى ما كان عليه، كذلك العدو لمَّا انطفأ ما كان يلوح عليه من سراج الطاعة لم ينجبر بعده، وأمَّا آدم- عليه السلام- فلمَّا اغْتَرَّ جَبَرَهُ ماءُ العناية، قال تعالى: {ثُمَّ اجْتَبَاهُ رَبُّهُ} [طه: 122].
{وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِنْ صَلْصَالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ (28)}
أظهرهم بهذا القول، وفي عين ما أظهرهم سَتَرهم.
ويقال ليست العِبْرَة بقوالبهم. إنما الاعتبار بالمعاني التي أودعها فيهم.
ويقال الملائكة لاحظوه بعن الخِلْقَة فاستصْغروا قَدْرَه وحاله، ولهذا عَجِبوا من أَمْرِ الله- سبحانه- لهم بالسجود له، فكشف لهم شظية مما اختَصَّه به فسجدوا له.
قوله: {إلاَّ إِبْلِيسَ أَبِى أَن يَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ}: وكذا أمرُ مَنْ حُجِبَ عن أحواله ادَّعى الخَيْرَةَ وَبَقِيَ في ظُلمة الحَيْرةِ.
ويقال بَخِلَ بسجدةٍ واحدةٍ، وقال: أَسْتَنْكِفْ أَنْ أسجد لغير الله. ثم من شقاوته لا يبالي بكثرة معاصيهِ، فإنه لا يَعْصِي أحدٌ إلاَّ وهو سببُ وسواسه، وداعيه إلى الزِّلَّةِ، وذلك هو عين الشَّقوة وقضية الخذلان.
{قَالَ يَا إِبْلِيسُ مَا لَكَ أَلَّا تَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ (32)}
سأله ومعلومٌ له حالُه، ولو ساعدته المعرفةُ لقال: قُلْ لي مالك؟ وما مَنَعَكَ؟ وَمَنْ مَنَعَك حتى أقول أنت.. حيث أَشْقَيْتني، وبقهرِك أَغْوَيْتَني، ولو رَحِمْتَني، لَهَدَيْتَنِي وفي كنف عصمتك آويتني، ولكنَّ الحرمانَ أدركه حتى قال: {لَمْ أَكُن لأَسْجُدَ لِبَشَرٍ}. اهـ.

.التفسير المأثور:

قال السيوطي:
{وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ صَلْصَالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ (26)}
أخرج ابن جرير وابن المنذر وأبو الشيخ في العظمة، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: خلق الله الإِنسان من ثلاث: من طين لازب، وصلصال، وحمأ مسنون. فالطين اللازب، اللازم الجيد، والصلصال المرقق، الذي يصنع منه الفخار، والحمأ المسنون، الطين فيه الحمأة.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه، عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله: {من صلصال} قال: الصلصال، الماء يقع على الأرض الطيبة ثم يحسر عنها فتيبس، ثم تصير مثل الخزف الرقاق.
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: الصلصال، هو التراب اليابس الذي يبل بعد يبسه.
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: الصلصال، طين خُلِطَ برمل.
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: الصلصال، طين إذا ضربته صلصل.
وأخرج ابن أبي حاتم عن قتادة رضي الله عنه قال: الصلصال، التراب اليابس الذي يسمع له صلصلة.
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: الصلصال، الطين تعصره بيدك فيخرج الماء من بين أصابعك.
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم، عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله: {من حمإ مسنون} قال: من طين رطب.
وأخرج الفريابي وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم، عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله: {من حمإ مسنون} قال: من طين منتن.
وأخرج الطستي عن ابن عباس رضي الله عنه، أن نافع بن الأزرق قال له: أخبرني عن قول الله {من حمإ مسنون} قال: الحمأة السوداء، وهي الثاط أيضًا، والمسنون، المصور. قال: وهل تعرف العرب ذلك؟ قال: نعم، أما سمعت قول حمزة بن عبد المطلب وهو يمدح رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ يقول:
أغر كأن البدر مسنة وجهه ** جلا الغيم عنه ضوءة فتبددا

وأخرج ابن عساكر عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: خلق آدم من أديم الأرض، فألقي على الأرض حتى صار طينًا لازبًا، وهو الطين الملتزق، ثم ترك حتى صار حمأ مسنونًا وهو المنتن، ثم خلقه الله بيده فكان أربعين يومًا مصورًا، حتى يبس فصار صلصالًا كالفخار إذا ضرب عليه صلصل. فذلك الصلصال والفخار مثل ذلك والله أعلم.
{وَالْجَانَّ خَلَقْنَاهُ مِنْ قَبْلُ مِنْ نَارِ السَّمُومِ (27)}
أخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: الجان، مسيخ الجن كما القردة والخنازير مسيخ الإِنس.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم، عن قتادة رضي الله عنه في قوله: {والجان خلقناه من قبل} وهو إبليس خلق من قبل آدم.
وأخرج ابن جرير عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: كان إبليس من حي من أحياء الملائكة يقال لهم الجن، خلقوا من نار السموم من بين الملائكة، قال: وخلقت الجن الذين ذكروا في القرآن من مارج من نار.
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله: {والجان خلقناه من قبل من نار السموم} قال: من أحسن الناس.
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم، عن ابن عباس في قوله: {من نار السموم} قال: {السموم} الحارة التي تقتل.
وأخرج الطيالسي والفريابي وابن جرير وابن أبي حاتم والطبراني والحاكم وصححه والبيهقي في شعب الإِيمان، عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: {السموم} التي خلق منها الجان جزء من سبعين جزءًا من نار جهنم، ثم قرأ {والجان خلقناه من قبل من نار السموم}.
وأخرج ابن مردويه عن ابن مسعود رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «رؤيا المؤمن جزء من سبعين جزءًا من النبوّة، وهذه النار جزء من سبعين جزءًا من نار السموم التي خلق منها الجان» وتلا هذه الآية {والجان خلقناه من قبل من نار السموم}.
وأخرج ابن أبي حاتم عن عمرو بن دينار رضي الله عنه قال: خلق الجان والشياطين من نار الشمس. اهـ.

.فوائد لغوية وإعرابية:

قال السمين:
{وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ صَلْصَالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ (26)}
قوله تعالى: {مِن صَلْصَالٍ}: {مِنْ} لابتداء الغاية أو للتبعيضِ، والصَّلْصال: قال أبو عبيدة: وهو الطينُ المختلِطُ بالرَّمْل، ثم يَجِفُّ، فيُسمع له صَلْصَلَةٌ، أي: تَصْوِيْت، وقال الزمخشري: الطين اليابسُ الذي يُصَلْصِلُ من غيرِ طبخٍ، فإذا طُبِخَ فهو فَخَّار، وقال أبو الهيثم: هو صوت اللِّجامِ وما أشبهه كالقَعْقَعَة في الثوبِ، وقال الزمخشري أيضًا: قالوا: إذا تَوَهَّمْتَ في صوتِه مَدًّا فهو صَليل، وإن توهَّمْتَ فيه ترجيعًا فهو صَلْصَلَة، وقيل: هو مِنْ تضعيفِ صَلِّ: إذا أَنْتَنَ. انتهى، وصَلْصال هنا بمعنى مُصَلْصِل كزَلْزال بمعنى مُزَلْزِل، ويكون فَعْلال أيضًا مصدرًا نحو: الزِّلزال، ويجوز كسرُه أيضًا.
وفي وزن هذا النوعِ أعني ما تكَّررت فاؤه وعينُه خلاف، فقيل: وزنه فَعْفَع، كُرِّرَتْ الفاءُ والعينُ ولا لامَ للكلمة، قاله الفراء وغيرُه، وهو غَلَطٌ لأنَّ أقلَّ الأصولِ ثلاثةٌ: فاء وعين ولام. الثاني: أنّ وزنَه فَعْفَل وهو قولُ الفرّاء. الثالث: أنه فَعَّل بتشديدِ العينِ وأصلُه صَلَّل، فلما اجتمع ثلاثةُ أمثالٍ أبدل الثاني من جنسِ فاءِ الكلمةِ وهو مذهبٌ كوفي، وخصَّ بعضُهم هذا الخلافَ بما إذا لم يختلَّ المعنى بسقوطِه نحو: لَمْلَمَ وكَبْكَبَ فإنك تقول فيهما: لَمَّ وكَبَّ، فلو لم يَصِحَّ المعنى بسقوطِه نحو: سِمْسِم، قال: فلا خلاف في أصالةِ الجميع.
قوله: {مِّنْ حَمَإٍ} فيه وجهان، أحدهما: أنه في محلِّ جرّ صفةً لصَلْصال، فيتعلَّقُ بمحذوف، والثاني: أنه بدلٌ من {صَلْصال} بإعادة الجارِّ.
والحَمَأُ: الطينُ الأسودُ المُنْتِنُ. قال الليث: واحدُه حَمَأة بتحريك العين، جعله اسمَ جنسٍ، وقد غَلِط في ذلك؛ فإنَّ أهلَ اللغة قالوا: لا يُقال إلا حَمْأة بالإِسكان، ولا يُعْرَفُ التحريكُ، نصَّ عليه أبو عبيدة وجماعة، وأنشدوا لأبي الأسود:
يجيءُ بِمِلْئِها طَوْرًا وطَوْرًا ** يَجِيءُ بِحَمْأَةٍ وقليلِ ماءِ

فلا تكون الحَمْأَةُ واحدةَ {الحَمَأ} لاختلاف الوزنين.
والمَسْنُون: المَصْبوبُ مِنْ قولهم: سَنَنْتُ الشرابَ كأنَّه لرطوبتِهِ جُعِل مَصْبوبًا كغيره من المائعات، فكأنَّ المعنى: أَفْرغ صورة إنسانٍ كما تُفْرَغُ الجواهرُ المُذابة. قال الزمخشري: وحَقُّ مَسْنُون بمعنى مُصَوَّر أن يكون صفةً لصَلْصال، كأنه أَفْرغ الحَمَأَ فَصَوَّر منه تمثالَ شخصٍ. قلت: يعني أنه يصيرُ التقدير: مِنْ صَلْصالٍ مُصَوَّر، ولكن يلزم تقديمُ الوصفِ المؤوَّلِ على الصريح إذا جَعَلْنَا {مِّنْ حَمَإٍ} صفةً لصَلْصال، أمَّا إذا جَعَلْنَاه بدلًا منه فلا، وقيل: {مَسْنُون} مُصَوَّر، مِنْ سُنَّةِ الوجهِ وهي صورتُه. قال الشاعر:
تُريكَ سُنَّة وَجْهٍ غيرَ مُقْرِفَةٍ

وقال الزمخشري: مِنْ سَنَنْتُ الحجرَ بالحجر: إذا حَكَكْتُه به فالذي يَسِيل بينهما سَنينٌ ولا يكون إلا مُنْتِنًا، وقيل: المَسْنُون: المنسوبُ إليه، والمعنى: يُنْسَبُ إليه ذُرِّيَّةً، وكأن هذا القائلَ أخذه مِنَ الواقع، وقيل: هو من أسِن الماءُ إذا تَغَيَّر، وهذا غَلطٌ لاختلافِ المادتين.
قوله تعالى: {والجآن خَلَقْنَاهُ}: منصوبٌ على الاشتغال، ورُجِّح نصبُه لعطفِ جملتِه على جملةٍ فعلية، والجانُّ أو الجنُّ وهو إبليس كآدم أبي الإِنس، وقيل: اسمٌ لجنسِ الجِنِّ.
وقرأ الحسن {والجَأَنَّ} وقد تقدَّم القولُ في ذلك في أواخر الفاتحة.
و{مِن قَبْلُ} و{مِن نَّارِ} متعلقان بـ: {خَلَقْنا}؛ لأن الأولى لابتداءِ الغاية والثانيةَ للتبعيض، وفيه دليلٌ على أن {مِنْ} لابتداء الغايةِ في الزمانِ، وتأويلُ البصريين له ولنظائِره بعيدٌ.
والسَّمومُ: ما يَقْتُل من إفراطِ الحَرِّ من شمسٍ أو ريحٍ أو نار؛ لأنها تَدْخُل في المَسامِّ فتقتُل، وقيل: السَّموم ما كان ليلًا، والحَرُور ما كان نهارًا.
{فَسَجَدَ الْمَلَائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ (30)}
قوله تعالى: {أَجْمَعُونَ}: تأكيدٌ ثانٍ، ولا يفيد الاجتماع في الوقت، خلافًا لبعضهم. قال أبو البقاء: لكان حالًا لا توكيدًا يعني أنه يُفيد إفادةَ الحال مع أنه توكيدٌ، وفيه نظر؛ إذ لا منافاةَ بينهما بالنسبة إلى المعنى. ألا ترى أنه يجوز جاؤوني جميعًا مع إفادتِه للتوكيدِ، وقد تقدَّم لك تحريرُ هذا وحكايةُ ثعلب مع ابن قادم.
{قَالَ لَمْ أَكُنْ لِأَسْجُدَ لِبَشَرٍ خَلَقْتَهُ مِنْ صَلْصَالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ (33)}
قوله تعالى: {لأَسْجُدَ}: هذه لامُ الجحودِ.
وقوله: {فَقَعُواْ لَهُ} [الحجر: 29]. يجوز أن تتعلَّقَ اللامُ بالفعل قبلها، وأن تتعلَّق بساجدين، وقد تقدم نظائرُ ألفاظِ هذه القصة في البقرة والأعراف. اهـ.